بلدي نيوز - راني جابر (محلل عسكري)
لم يمكن مشهد دخول الميليشيات الطائفية إلى بلدتي "نبل والزهراء" مؤخراً بمستغرب، فالنظام الذي استمات في سبيل استمرار وجوده في هاتين البلدتين يعرف تماماً مد¬ى أهميتهما، ومدى تأثيرهما والاستفادة منهما في أي عملية أو خطة عسكرية لاستعادة ريف حلب.
فالبلدتان "الشيعيتان" اعتبرتا قاعدتين متقدمتين لقوات النظام، وتتلقيان الكثير من الدعم من أكثر من جهة سواء جواً أو براً، ويعتبر السماح بإبقائهما تحت سيطرة النظام أحد الأخطاء الاستراتيجية الكبرى للثوار خلال عمر الثورة.
لماذا تعتبر نبل والزهراء مهمتين للنظام؟
حاول النظام بكل ما استطاع من مقدرات الحفاظ على سيطرته على عدة مناطق وقرى "شيعية"، تعتبر مطوقة ضمن مناطق الثوار وبخاصة في حلب وإدلب، لتكون نبل والزهراء وكفريا والفوعا قواعد عسكرية للنظام ضمن عمق مناطق الثوار.
فعدا عن كون جميع الأفراد الباقين فيها موالين عقائدياً للنظام، ومنخرطين ضمن قواته أو ميليشياته، فقد دعّم وجوده خلال فترات ما قبل الحصار بعناصر ميليشيات طائفية مختلفة، وكم كبير من التجهيزات العسكرية والذخيرة، بما في ذلك المدفعية والراجمات.
وسعى النظام للحفاظ عليهما بكل السبل والحيل، تارة بالقوة وتارة بالمفاوضات والتنازلات وحتى الصفقات، فهي مهمة له على عدة صعد أولها العسكري والديموغرافي والإعلامي، ضمن حملته الإعلامية التي تتحدث عن "الإرهابيين السنة الذين سيذبحون المدنيين الشيعة المحاصرين".
فالصورة التي تنقلها وسائل إعلام النظام والوسائل الموالية له، والضخ الإعلامي باللغة الانجليزية يتحدث عن بلدات مدنية مسالمة مليئة بالأطفال والنساء الذين يتضورون جوعاً ويصارعون المرض، بينما يحاصرهم "الهمج المتعطشون للدماء"، بهدف نقل صورة أن النظام يحارب ضد "الإرهابيين".
الشق الإعلامي مفيد جداً للنظام، وهو أحد أوراقه لتقديم الاعتماد لدى دول العالم في المعركة ضد "الإرهاب"، لتأتي بعدها الفوائد العسكرية للمنطقتين المفتاحيتين، سواء نبل والزهراء أو كفرية والفوعة، فهما تقدمان للنظام إمكانية رصد الكثير من الأمور على الأرض عن كثب، وإجراء عدد من عمليات الاستطلاع المختلفة ضد الثوار، فهي مقر استخباراتي متقدم للنظام، خصوصاً بسبب المعرفة التامة لأبناء القريتين بالمنطقة وطرقها، والعائلات المتواجدة في المناطق المحيطة بها.
الجانب الأهم في الشق العسكري، هو اعتبار هذه البلدات عنصراً مهماً في الاستراتيجية العسكرية للنظام ككل في منطقتي ريف حلب وإدلب، فمن النادر تاريخياً امتلاك طرف عسكري قاعدة متقدمة ضمن أراضي العدو قادرة على استهداف عمق العدو بشكل واسع بهذا الشكل، وتتلقى دعماً مستمراً.
فعملية حصار البلدتين وكم المقدرات والتسليح المستهلك على أسوارهما لتثبيت حالتهما، ومنع قوات النظام من الانطلاق منهما تجاه مناطق أخرى، سواء بهجمات مباشرة أو بشكل عمليات تسلل، يشكل عبئاً لوجستياً وبشرياً وعسكرياً كبيراً، ما يجبر الثوار على تثبيت قسم من قواتهم ومقدراتهم لا يستهان به على أسوارهما، واحتسابهما كرقم مهم ضمن أي مخطط عسكري للثوار باتجاه قوات النظام.
إضافة لتهديد المدفعية والراجمات فيها لنطاق عميق داخل المناطق المحررة، والذي يمتد حتى أربعين كم، ما يعني فعلياً أنها قادرة على ارتكاب مجازر في أي وقت، واستهداف مراكز الثوار وأرتالهم ومخيمات اللاجئين ضمن هذا النطاق.
كذلك اعتبارها مصدر دعم ناري مهم لقوات النظام خلال محاولتهم فك "الحصار" عنها، فقد أصبح الثوار المحاصرين للبلدتين بين فكي كماشة، بنتيجة تقدم قوات النظام من الشرق ووجود البلدتين في الغرب، ما تسبب بتشتيت قدرتهم النارية والعسكرية، عدا عن كثافة الغارات الروسية عليهم.
ما حدث مع نبل والزهراء هو السيناريو المتوقع مع كفريا والفوعا، التي يستميت النظام للحفاظ عليهما، فخطته واضحة مع اختلاف التفاصيل، فالنظام قد يعتبرهما هدفه الأول في الطريق إلى إدلب في حال فكر في الهجوم عليها، وستنفذان نفس الدور في عمليات مشابهة، وقد يجد الثوار المحاصرون لهما أنفسهم مطوقين بين فكي كماشة، مكونة من الميلشيات "الشيعية" المُحاصرة، وقوات النظام والميليشيات الطائفية المتقدمة لفك الحصار عن كفريا والفوعة.